الأربعاء، 11 يوليو 2012

قراءة في كتاب (الإخوان المسلمون في الخليج)




((لا تأكل السمك وتشرب اللبن)) كم منا سمع هذه العبارة وآمن بها ... لأننا شعوب (تلقي وسماع) في كثير من أوضاعنا قبل أن نكون شعوب (تفكير ومبادرة) لذا فكثيراً ما نأخذ الأمور على أنها مسلمات لا تناقش .. لنكتشف عند أول محص علمي بأن الأمور لم تكن أبداً كما كانت تبدو ! ... لذلك فقد تجنبنا جميعاً أكل السمك مع شرب اللبن إلى درجة تشبه التحريم قبل أن يكتشف بعضهم بأن الأمر ليس نظرية صحية إطلاقاً وإنما هي جملة تعليمية كانت تستخدم في الكتاتيب لتعليم العطف على النفي ، على غرار الجملة الشهيرة التي تعلم الفعل (ضرب زيدٌ عمراً) ولا أعلم لماذا كان مربيي الكتاتيب يصرون على الضرب ما بال (عانق زيدٌ عمراً) ... ولكنها كروموسوماتنا التي تصرح بالضرب وتخفي العناق !!

حين صدر كتاب (الإخوان المسلمون في الخليج) هاجمه الجميع وأكدوا بأن الكتاب والمركز الذي أصدره (مركز المسبار للبحوث والدراسات) هو مشروع لتغيير رأي القيادات السياسية عن جماعة الإخوان وبذر بذور للفرقة بين الجماعات التي تمثل شريحة من الشعب وبين القيادات وأكد لي بعض الإعلاميين بأن تكاليف المركز مدفوعه بالكامل من قبل مكتب وكالة الاستخبارات الأمريكية ... وأن السفارة البريطانية تدفع مبلغ مائتان وخمسين ألف درهم مقابل كل دراسة يصدرها المركز وأن تركي الدخيل رئيس المركز أصبح يسبح في بحيرة من العملات الذهبية مثل عجوز ديزني اللطيف (أنكل سكرووتش) لأنه ارتضى بيع أسرار (الأمة) إلى جهات خارجية ... 

ولم أكن مطلقاً محباً لشرب اللبن مع السمك فتجاوزت عن قراءة الكتاب لفترة طويلة حتى ضرب أحد الزملاء على عرق فيّ ونقطة ضعف فذكر لي بعض الأمور التي تهمني حول أمر تاريخي معين وبدأت قراءة البحوث الثمانية التي يتكون منها الكتاب .. والجيد أنها لم تكن تسعة لربما ربطها البعض بالشمعدان الشهير، فوجدت أنها بحوث متزنه ومنطقية واتبعت أسلوب البحث العلمي ، نعم بدا من الواضح أنه لدى أغلب الكتاب الثمانية موقف مسبق من (الجماعة) أو من الأفكار التي تقوم عليها وكان ربما أجدى إضافة بعض آراء الطرف الآخر .. إلا أن هذا لم ينتقص من أهمية وأدب ورقي الطرح الموجود فيه ببحوثه الثمانية ..

بعد كليشة تقليدية لرئيس المركز كانت الدراسة الأولى لعبدالله بجاد تحت عنوان (الإخوان المسلمون والسعودية ... الهجرة والعلاقة) وهو مبحث هام لمن أراد أن يتعرف على أصول حركة الإخوان في السعودية وعاب البحث قيام الباحث بالحكم على بعض التصرفات في علاقة الإخوان بالملك ومحاولة ربط بعض الأمور من خارج النص فيها ، مثل حادثة محاولة اغتيال الملك عبدالعزيز من قبل الحاج اليمني ، وأحداث عام أربعة وتسعين، وكان أحرى بالباحث أولاً ذكر قصة الحاج اليمني وجماعته كاملة واسمه التاريخي المعروف (صالح بن علي الحاضري) وأخويه وذكر خلفية ما دفعهم لتلك العلية التي جائت في وقت حرج في علاقة الدولة السعودية بقضايا اليمن ومن ثم إسقاط الأمر بشكل واضح للقارئ لا ذكره عن علاقة الملك بخصومه بطريقه تقرأ باتجاه آخر ... وتكرر الأمر في إغفال ذكر أسماء القائمين بمحاولة الهجوم على التلفزيون السعودي وهو الأمير (خالد بن مساعد بن عبدالعزيز) ومجموعته الذي لم يكن له علاقة من قريب أو بعيد بتنظيم الإخوان ... كما أن الإصرار على توريط بعض الأسماء حتى وإن ذكرت المراجع التاريخية أسماء أخرى هو خطأ لا يغتفر من ناحية البحث العلمي الصحيح فلماذا الإصرار على أن (سعد الدين إبراهيم) هو نفسه مستشار الشيخ زايد رحمه الله (عز الدين إبراهيم) ولكن هناك (خطأ مطبعي) !! لم لا يكون سعد الدين إبراهيم هو سعد الدين إبراهيم والد عدنان سعد الدين رئيس تيار الإخوان الذين انشقوا إلى العراق من سوريا وقصته معروفه ! أجمل ما في مبحث العتيبي كان تقسيمه السعوديين إلى ثلاثة أقسم مستقلة : حجازيين وإخوان و زبارا .. وهي بالمناسبة (زباره) نسبة إلى إمارة الزبير شمال المملكة وجنوب العراق .. 

معلومة أخرى لطيفة بالإضافة لتلك المعلومة تقول بأن أول وزير إعلام في المملكة وقد كان مترجم الملك المؤسس يحمل اسم (عبدالله بالخير) معلومة لا تنسى ! .. نَفَس الباحث (الواضح) لا يقلل مطلقاً من قيمة البحث التاريخية ومعلوماته القيمة قليل من الحيادية كان سيجعل البحث أكثر إحكاما ..

المبحث الثاني الذي قد يكون الأهم بالنسبة لنا هو مبحث (الإخوان المسلمون في الإمارات .. التمدد والإنحسار) به الكثير من الأمور التي لا تزال خلافيه وغير واضحة بينما هي موجودة في مبحث كامل منذ سنتين وبوضوح وبمقابلات مسجله مبحث رائع ويوضح الكثير من الأمور لمنصور النقيدان ويحسب له وللناشر نشرهم رد الدكتور (محمد المنصوري) على المبحث والرد عليه مرة أخرى ..
مبحث الأستاذ / عمر البشير الترابي بعنوان : (الإسلام السياسي في الخليج .. خطاب الأزمات والثورات) لا يضيف الكثير حيث أنه شبه إعادة قراءة لكتاب الباحث باقر النجار القيّم : الحركات الدينية في الخليج .. ويؤخذ على الكاتب وضع جميع الحركات الدينية من حركة الثورة في إيران إلى حركات الإسلام السياسي في السعودية في سلة واحدة مما يجعل القارئ يستدعي مثل (ما الذي أتى بالشامي على المغربي) ولكنه بالطبع نفس الذي أتى بالبشير والترابي في اسم الباحث العزيز ..

(الإخوان المسلمون في البحرين .. تحولات العقود السبعة) جاء مفاجأة في عمق حركات الإسلام السياسي بحرينياً وفي عمق لثقافة البحرينية ذاتها في التواريخ والأحداث وكان سرد تاريخي جميل ومشوق للباحث غسان الشهابي .. وطرح منطقي لطبيعة تحكم الأعراق في فكر بعض القيادات الإخوانية .. عرب الهولة في جمعية الإصلاح مثلاً .. فعلى الرغم من حساسية الطرح إلا أنه واقع موجود قراءة شيء عنه مطلوبة كما أن الكتابة عنه تتطلب شجاعة وشفافية .. كما أن ملاحظات الشهابي الجميلة عن المقارنات بين شعارات جمعيات الإصلاح في الخليج وشعار جماعة الإخوان المسلمين في مصر جديرة بالقراءة وستثير حتماً اهتمام المتخصصين بالـ(براندينج) والتسويق .. 

المبحث الخاص بسلطنة عمان (من أجل الإمامة .. محاولات لتنظيم اسلامي في سلطنة عمان) كان تغريداً خارج السرب .. ومن الواضح أن اضافة هذا المبحث كانت (لتكملة العدد) ولكي لا تغيب السلطنة عن هذا الكتاب الهام كما أن الكاتب (عامر الراشدي) قلم موظف حكومي ليس لديه هامش الحرية في الكتابة كبقية المشاركين في اعداد الملف .. لذا كان المبحث بعيداً عن صلب الموضوع والذي كان تسليط الضوء فيه على أحداث عام أربعة وتسعين في عمان هو الأجدر لتكون الدراسة والمبحث مفيدين .. ولكن كل العذر لمن يريد القيام بهكذا دراسة في عمان فصعوبة الحصول على المعلومة فيها لا تخفى على الإعلاميين الاستقصائيين .. 

مبحث (الوطن في فكر جماعة الإخوان المسلمين) مفيد في الأصول والنتائج التي توصل إليها الأستاذ الدكتور (أحمد البغدادي) لولا إقحام فلسفة وجود الوطن لدى العرب والمسلمين ومحاولة اثبات عدم وجود مصطلح الولاء وحب الوطن بشكل اقحامي في بداية المبحث لاثبات تهمة عدم حب الوطن على تيار الإخوان .. فبعيداً عن الأخوان وبيعاتهم لمرشدهم يذكر الباحث بأن مصطلح (وطن) كلفظ لم يظهر لدى العرب سوى في أوائل عام 1900 م ، ولا أعلم أين هي آلاف القصص والقصائد العربية في صدر الإسلام منها شهيرة أبو الطيب المتنبي (ولا نديم ولا أهل ولا سكن .. بم التعلل لا أهل ولا وطنُ)

 كما لا أعرف كيف فاتت القصة النبوية الرائعة في يوم هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام حين التفت ونظر إلى مكة وقال : والله إنك لأحب الأرض إلي ، وإنك لأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت .. حب الوطن فطرة عربية بل وإنسانية خالصة جبل عليها الناس وأعمتها القبلية في بعض الفترات ولم تصل إلينا مع بشائر التنوير الغربي .. أو الإصلاح الشرقي .. الخلط بين مبدأ الولاء للدين والولاء للوطن كان حاضراً بقوة ولم يتم ربطه بمقاصد الشريعة ومنها (الحفاظ على الأرض) وبعض الاستشهادات الشعرية كانت تظهر بأن حب الغير من أوطان العروبة دليل على (الشك) في الحب المطلق للبلد الأم وهذا ليس صحيحاً إطلاقاً خاصة مع حالة وطننا العربي المشاغب وإلا لما كتب السوداني عن الكويت والسعودي عن الإمارات وبحريني عن السعودية في هذا الكتاب تحديداً .. كما أن الاختلاف الفكري والولائي وحتى العقدي لأي شخص مع تيار الإخوان في الكويت .. لا يمكن أن يسمح بأن ننكر دورهم الكبير في الداخل الكويتي أثناء الغزو العراقي للكويت عام تسعين .. وليس من سمع كمن رأى ! 

إذا كان هناك مبحث يستحق جائزة المبحث الأفضل فهو بلا تردد لمبحث مشاري الذايدي (من الإسلام التقليدي إلى الإسلام السياسي في الكويت) ففيه توضيح لعلاقة الإخوان بالوهابية إن صح التعبير من الناحية الفكرية المجردة وهي هامة لمعرفة أصول العلاقة وما يمكن أن تؤول إليه حتى في تجارب أخرى ، مصر الثورة مثلاً .. هناك سرد مسلي جداً حول أمور تصنف كلطائف : مذاهب أهل الكويت، مشاغبات المطاوعة ، و .. الزبير مرة أخرى ! 

المبحث الأخير كان مبحث يوسف الديني ، ورغم أنه عرج على الحركة (السرورية) إلا أنه من الهام التعريف بها للقارئ الغير منتمي إلى (مراكز البحوث) فما هي علاقة السرورية بالإخوان في نجد تحديداً وأين هي الفروق بينهم وبين السلفيين وتفصيل حكاية سلمان وسفر بين هؤلاء وهؤلاء في ها المبحث استخدم الباحث مصطلح (العصرانيين) وهو تعريف أجمل من تعريف (الجهمية / الليبرالية) الذي استخدمه الإماراتي أحمد منصور في خطابه لبعض الزملاء المثقفين في دولة الإمارات العربية المتحدة ولكنه يوضع تحت نفس التصنيف بحسب تعريف الباحث .. 

الخلاصة .. كتاب الإخوان المسلمين في الخليج كتاب هام لكل باحث أو مهتم أن لم يكن متقناً فهو بداية هامة وكسر لأحد تابوهات النشر الخليجية .. ومرجع تاريخي رائع لمن أراد أن يوثق !